أول موقع يهتم بالتعبير التشكييلي والثقافة الفنية بالقصر الكبير











ذاكرة الطفولة


صــــور اـــزيــارات
في متاهات أزقة ضيقة لمدرسة عتيقة لحمولتها التاريخية كمدينة القصر الكبير، كانت البداية لطفولة تفاعلت بمحيطها المشحون بتقاليد و عادات كونت في مجملها ذاكرة غنية بمعطياتها. حيث التصاق المنازل بالأضرحة و أولياء الله الصالحين ( سبعة رجال و سيدي قاسم ـ سيدي ميمون....) فترة ترى نساء يحجبن أجسادهن ( بالحايك و اللثام) يقبلن جدران هذه الأضرحة، و تارة أخرى ترى رجالا بجلابيبهم يلقون بالنقود و بقراطيس الشمع من أجل التبرك و استجابة الدعوات، و غالبا ما كان يشدني هذا المشهد، فأصبحت و بدون معرفة الغاية من ذلك اقبل بدوري صحبة أطفال آخرين جدران هذه الأضرحة، احتراما لهذه الأمكنة و اعتقادا منا أن البعض منها مسكون بأرواح و عفاريت، و غالبا ما كان يدفعنا الفضول من خلال الروايات التي كان يرويها المسنون حول ( صومعة البنات أو صومعة شمهاروج) التي كانت تستقطب عددا كبيرا من العوانس قصد الزواج، فكنا و نحن صغار نقطع مسافات الأزقة و الأحياء تغمرها مياه الأمطار قصد معاينة هذه الفضاءات ( المسكونة)، و لم يقف اعتقادنا كأطفال عند هذه الأساطير، بل تجاوزه لاعتقادنا أن امرأة سوداء كانت تزور المدينة مرة كل سنة، خلال فترة ( الحواكز)، و يمكنها أن تلتهم أي طفل صادفته في الزقاق مع إجبار أهله على دفع فدية تتمثل في بعض المأكولات المتميزة ( الرغيف، السفنج، البغرير..) فكانت بالنسبة لنا كأطفال فترة استراحة من اللهو و اللعب في هذه الأزقة، و راحة لمن كنا نقلقهم بشغبنا و عفرتتنا، لأن كل فصل كان يملي علينا لعبة معينة ( سبسبوت ـ غميضة ـ الخذروف...) لتمتلئ الأمكنة بصراخنا و شجارنا إلا في حالة وجودنا في بعض الأحيان و في غياب هذه المناسبة " المسيد" أو الكتاب، حيث نتابع قراءة القرآن، ففي هذه الأزقة الضيقة بهندستها الغريبة ( درب سبعة اللويات) و بروائحها المختلفة، و ببعض منازلها الواسعة و التقليدية بأبوابها و زخرفتها و آبارها، كنت أحمل أكثر من ذكرى ما زالت عالقة بذهني و مرتبطة ببعض الأحياء مثل " درب سيدي الخطيب، و القطانين" جعلتني أعيد صياغتها ضمن مشروع تشكيلي في ( وادي المخازن) كمرحلة تاريخية ما زالت هذه الأمكنة تختزنها في نتوءات و ثقوب جدرانها كشاهد على فترة تحول في تاريخ المغرب. هذه إذن باختصار بعض المؤثرات التي كان لها وقع في جل تصوراتي الشخصية كطفل ارتبط بأصله و فضائه ليحدد فيما بعد اختياره لجنس فني اقرب للتعبير عن هذه التصورات.

التشكيلي والناقد المغربي شفيق الزكاري

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire